كتب

يوميات الثورة الليبية

عن مجموعة «الوسط للإعلام» بليبيا صدر حديثاً كتاب بعنوان «التاريخ يتجهم والحياة تضحك – تأملات في ليبيا ما بعد 2011» للشاعر الليبي سالم العوكلي. الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات، تواكب الثورة الليبية التي أنهت نظام معمر القذافي، وتسلط الضوء على ما آل إليه الواقع الليبي في لحظته الراهنة، وما يمور به من تشتت واضطراب خاصة على المستويين السياسي والعسكري.

يستند العوكلي في كتابه الواقع في 300 صفحة من القطع المتوسط، على فكرة المعايشة للوقائع والأحداث وتدوينها بعين راصدة، ملتصقة بالواقع، محاولة النفاذ إلى ما يكمن وراءها، تعززها خبرة الحياة المعيشة الملموسة، وقدرة الذات على الالتقاط والتصفية والتنقية، وتحديد الأولويات، في أحداث اتسمت بالكثافة والسيولة وسرعة التحولات إبان الثورة في 17 فبراير 2011 لافتاً في معرض تقديمه للكتاب إلى أن «قراءة التاريخ شيء، ومعايشته ساعة بساعة شيء آخر»… ومع ذلك لا يدعي بأن ما يكتبه هو عين الحقيقة والصواب. مضيفاً: «في هذه المقالات التي كتبت عن الأحداث وهي في خضمها، كل شيء نسبي، حتى وإن عبّر عنه أحياناً بلغة واثقة، ليست بمنجاة من الانفعال بضغط الوقائع الطازجة التي ما زالت تؤثر في حياتنا اليومية، ولم تذهب بعد إلى ذمة التاريخ الذي غالباً لا ذمة له».

يتحدث الكاتب عن طبيعة الثورة في بلاده، في سياق ما عرف بـ«الربيع العربي»، واصفاً الجيل الذي فجّرها من الشباب بأنه «جيل القطيعة، لأنه انتفض من قلب اليأس، وفاجأ العالم بهذه الثورات التي لعب فيه الإنترنت ووسائط الميديا دوراً مؤثراً، وهي الوسائط التي يتقنها الشباب، وأصبحت مرمى لساحاتهم، بعيداً عن تهكم الأجيال السابقة، وأيديولوجياتها الفارغة التي أصبحت لا تنتمي إلى أي حلم سوى الماضي، ولا قضايا حقيقية لها. لذلك؛ فإن رهان المستقبل سينصب أساساً حول هذا الجيل».

وفي مقالة بعنوان «تطقيس العنف ثقافياً» يشير العوكلي إلى مجموعة من العناصر، شكلت فرقاً مهماً بين الثورة الليبية، وسابقتيها في تونس ومصر، من أبرزها خبرة النضال السياسي، قائلاً: «حين تعسكرت انتفاضة فبراير التي كان من المفترض أن تكون سلمية، بحسب ما خطط لها على (فيسبوك)، منذ يومها الأول، كان التأويل الدارج، والمخل بالحقيقة لهذه السرعة في عسكرتها؛ كون التاريخ الليبي خالياً تقريباً من خبرة النضال السياسي، خصوصاً إبان فترة الاحتلال الإيطالي، وهو الشأن الذي تميزت به مصر وتونس إبان فترات احتلالهما، بمعنى أن هذا الجيل استلهم التاريخ في لجوئه المبكر للرصاص كأداة احتجاج، وسرعان ما دخلت مفردات الحرب قاموس هذه الثورة، مثل ؛ تحرير المدن، أو المدن المحررة، وسقوط المدن أو سقوط العاصمة، والجبهات، والقادة الميدانيين، والكر والفر، والحصار والأسرى والمرتزقة، وكلها مصطلحات حربية، بدأ تداولها منذ أسبوع الثورة الأول، بعكس ما حدث في مصر وتونس اللتين حرصتا على سلمية ثورتيهما، رغم سقوط قتلى في الأسابيع الأولى أكثر ممن سقطوا في ثورة فبراير خلال المدة نفسها».

ويناوش العوكلي السؤال الأقرب إلى طبيعته الشعرية وكينونته الأدبية، حول علاقة الثقافة بالحرب، وذلك في ثلاثة مقالات متتالية، الأول «المثقفون في المربع الأول»، مؤكداً فيه أن المثقفين الليبيين خاضوا صراعاً طويلاً مع نظام القذافي الفاشي، منذ بداية السبعينات، ودفعوا الثمن غالياً، حيث عمل النظام لتخلو له ساحة بناء فاشيته، على تغييب الأصوات الثقافية المستقلة، عبر التصفية والسجن والنفي. لكن مع ذلك صوت المثقف لم يخفت. وفي مقالة بعنوان «المثقف الذي لا يجيب أحداً» يناقش تعريف المثقف، بحسب آراء وأفكار نخبة من المفكرين بينهم إدوارد سعيد حول المثقف الهاوي المزعج للنظام القائم، وآراء جوليان بندا حول المثقف النخبوي… ويرى العوكلي أنه «في هذه المسافة الشاسعة بين المفهومين تدرجت توصيفات المثقف، دون أن تخرج من دائرة ضمير الإنسانية كمشترك أساسي لمهمة المثقف».

وفي مقالته عن «الشاعر والحرب» وتأثيرها على الشعر، يستشهد بتجربته شخصيا في هذا السياق وكيف دخلت مفردات الدم والشهيد والقتل إلى نصه الشعري، من جراء تفاعله بشكل تلقائي ومعايشته أحداثاً حية في الواقع. ثم يستشهد برأي شبه قاطع للشاعر الفرنسي لويس أراجون في هذا السياق حينما سئل: لماذا لم تكتب أثناء الحرب، أجاب ببساطة لأن الكتابة مع أو ضد الجرب دعاية لها.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى