سلمية لإسقاط “العصابة”.. مشاهد لن تراها إلا في حراك الجزائر

ارتبطت المليونيات بمآس عاشتها شعوب نادت بالحرية فانزلقت لسبب أو لآخر نحو العنف، ولطالما رصد الإعلام حصيلة الاحتجاجات الشعبية الضخمة في مختلف دول العالم، غير أن الجزائريين يرون أنهم يصنعون الاستثناء خلال مسيراتهم من أجل من يصفونها بـ”العصابة” المرتبطة بالرئيس المستقيل.
فلم يسبق أن استمتع المتظاهرون برشهم بخراطيم المياه كما فعل الجزائريون خلال الأسبوع الأخير، ويخيل لمراقب الشباب وهم يتراقصون تحت ضغط المياه المتدفقة من مدرعات الشرطة أنه بمهرجان لرش المياه في عز الصيف. لا يجد الجيل الجديد متعة أكبر من التعبير عن الرأي في سلمية مهما كان تعامل الأمن معهم.
وتحت الصفارات الصامة للأذن والمحظورة في دول عبر العالم يتمسك هؤلاء بالحفاظ على أمن بلادهم، فبدل الغضب يردون بمشاهد ساخرة لتجاوز اللحظات العصيبة وقلب الحدث من متشنج غير مقبول إلى كوميديا شعبية واعية ترقى بالمحتجين إلى مستوى تطلعاتهم لبلادهم.
تحضر المرأة الحامل إلى المليونيات، وتسير وسط حراسة مشددة بين المتظاهرين الذين يحمونها من أي خطر للتدافع، كما يحمي المحتجون ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحرصون بدورهم على الحضور والتعبير عن رأيهم في الميادين. ويستغرب المراقب للمسيرة عدد الحشود المتراصة وسط الميادين وسرعة وانتظام إفساحها للطريق أمام سيارات الإسعاف وكيف يعودون في ثوان قليلة ليلتئم الشق الذي أحدثته الحالة الطارئة في فسيفساء شعبية متحركة فريدة من نوعها.
“يا الحاجة ماراناش ملاح” أي “يا حاجة لسنا بخير “، هكذا يتوقف متظاهرون مخاطبين سيدة مسنة تتابع الحراك من شرفة منزلها وهي ترمي حبات السكر لتباركهم، يصفقون لها ويمضون في طريقهم نحو مستقبل يأملون في أن يكون أفضل. تتقاسم المرأة في حراك الجزائر واجب التظاهر مع الرجل، لم تخل مسيرة واحدة منذ انطلاقها من الحضور النسوي إلى جانب حرص الأولياء على إشراك أبنائهم في الحدث الذي يعتبرونه مفصليا في تاريخ البلاد.
يصطف المحتجون أمام الشاحنات التي سخرتها مستشفيات الجزائر للتبرع بالدم، يحمل أحدهم لافتته في يده مرددا العبارات الوطنية انتظارا لدوره في التبرع، يجند الآباء أطفالهم للتطوع لتوزيع الماء مجانا وتوزع العائلات طبق “الكسكسي” المرتبط بيوم الجمعة على المتظاهرين. ولا يفوت المحتفلون بأعياد ميلادهم في الجمعات الماضية فرصة مقاسمة المحتجين كعكة الميلاد، وتغني الحشود دون أن تعرف اسمه أو سنه، يكفيه أنه أحد المتظاهرين ليحظى بحفلة خاصة دون أن يغفل لحظة على جدية ما جاء من أجله لميدان التظاهر.
يضرب الشرطي المتظاهر بالغازات المدمعة يقترب المحتج من الشرطي ويعطيه “الخل” ليحميه من مفعول الغاز الذي أطلقته يداه، يبادر المتظاهر ويهتف لرجل الأمن “يا البوليسي، أنت شعبي والرزق على ربي” تشجيعا له على عدم طاعة من قد يحرضونه يوما على العنف ضدهم.
أبانت مليونيات الجزائر عن وعي الشعب، فعلى الرغم من كل مظاهر الاحتفال التي رافقت مسيراته فإنه لم يسمح بأن يميّع فعله السياسي في الشارع، ورفض المتظاهرون استخدام “الفوفوزيلا” من قبل بعض الشباب لأنها في نظرهم تشوش على صرخات المحتجين. يحمي الشباب المحتجون الأملاك العامة من أي تخريب قد يطالها، ويقف عدد منهم حاجزا بين المتظاهرين ورجال الأمن في مواقع قد تشهد احتكاكا أو في لحظات تشنج عابرة لمنع تطور الأمور نحو الأسوأ. وكشف حراك الشارع عن تركيبة مجتمعية لم يكن يعرفها الجزائريون عن أنفسهم، كتب 22 فبراير حلقة جديدة عن شعب اختار الحرية دون أن يفرط في استقرار البلاد، يبذل الملايين من المحتجين نفس الجهد ليحافظوا على سلمية تظاهرهم إلى أن تتحقق مطالبه كاملة.
م. ج