كتب

“تاريخ العزلة”: من القرن الثامن عشر إلى عصرنا

خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومنذ انتشار فيروس كورونا المستجد والدعوات إلى البقاء في البيت والحفاظ على مسافة لا تقل عن مترين بين الناس، بدأ المفكرون والمنظرون يتحدثون عن نوع جديد على الإنسان المعاصر من العزلة ومن العلاقة التي تحكمها الفوبيا من الآخرين، ويبدو أن المستقبل القريب سيحمل الكثير من الكتب والدراسات عن آثار هذه العزلة القسرية على البشر.

تحت عنوان “تاريخ العزلة”، تصدر قريباً عن “منشورات بوليتي” البريطانية دراسة أجراها الباحث ديفيد فنسنت قبل اندلاع الوباء، غير أنها تبدو وكأنها قد ضربت معه موعداً ضمن مصادفة لافتة. تستند الدراسة إلى مجموعة واسعة من المصادر الأدبية والتاريخية والسوسيولوجية التي تضيء مفهوم العزلة في العصر الحديث.

يستكشف فنسنت كيف أدار الناس حيواتهم في غياب الشراكة مع أحد على مدى القرون الثلاثة الماضية. ويرى أن الطبيعة المتناقضة للعزلة أصبحت مصدر قلق بارز في العصر الحديث. بالنسبة للمثقفين في العصر الرومانسي، كانت العزلة بمثابة راحة، أما مواطنو المجتمعات الحديثة فحالهم أكثر تعقيدًا. ولكن بينما كان يُنظر إلى البحث عن العزلة على أنه أحد أعراض الحياة الحديثة، فقد كان يُنظر إليه أيضًا على أنه مرض خطير، يمكن أن يؤدي إلى الاضطراب النفسي والسلوك المعادي للمجتمع.

يستكشف فنسنت المحاولات المتتالية للسلطات الدينية والمؤسسات السياسية لإدارة العزلة، ويأخذ القراء من الدير إلى زنزانة السجين، ويشرح كيف أدى تزايد العلمانية والتحضر والازدهار في المجتمع الغربي إلى تطوير هواية انفرادية جديدة في نفس الوقت جعل الأشكال التقليدية للتواصل الانفرادي الديني ومع الطبيعة أمراً شبه مستحيل.

وفي فجر العصر الرقمي، بحسب المؤلف اتخذت العزلة معاني جديدة، حيث أصبحت العزلة الجسدية المصحوبة بوسائل الترفيه التي لا حد لها ممكنة أكثر من أي وقت مضى. وبموازاة ذلك أصبح الفهم التاريخي السليم لرغبة الإنسان الطبيعية في الانفصال عن العالم أكثر أهمية من أي وقت مضى.

يُنشر هذا الكتاب، بعد أن صدر مؤخراً عمل آخر بعنوان “سيرة الوحدة” عن “منشورات جامعة أكسفورد”، للمؤرخة الثقافية البريطانية فاي باوند ألبيرتي، وفيه تتناول “وباء الوحدة” كوباء متعلق بالعصر الحديث، ومنه تتوسع في الحديث عن تحول الواحدية إلى وحدة، وتفرد مساحة ليوميات الوحدة عند سيلفيا بلاث، والوحدة في “مرتفعات وذيرنغ”.

تقف الكاتبة أيضاً عند الوحدة في أعمال الفنان توماس تيرنر، وتتناول الترمل والوحدة في القرن الثامن عشر، والتفكير في الوحدة في العصور القديمة، وصولاً إلى الوحدة في عصر وسائط التواصل الاجتماعي، وتفرد فصلاً للجسد الوحيد.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى