ليلة اعتقال الخباز الصغير

بقلم: عيسى قراقع
تشبه القبر، بل هي قبر، حفرة في الأرض القاني الجنود بداخلها وانهالوا عليّ ضربا مبرحا، بعضهم بدأ يهيل التراب عليّ، هل جاء الموت؟ هل هذا هو قبري ؟ أسئلة صارخة في تلك اللحظات القاسية أطلقها الأسير القاصر عمر جهاد ابو عمر 15 سنة سكان باب الزاوية في الخليل الذي حكم ب 8 شهور سجن فعلي.
اعتقل عمر يوم 27/7/2017 خلال المواجهات التي اندلعت بسبب اقتحام المسجد الاقصى بالقدس وتركيب البوابات الالكترونية ، لحق به أكثر من جندي، امسكوه وبطحوه أرضا، وقام احدهم بوضع قدمه على رأسه وتثبيت حركته، وقام آخر بربطه بقيود بلاستيكية وثني يديه الى الخلف وشد القيود. الطفل الصغير وجد نفسه يجر على الأرض من قبل مجندة، سحبته الى داخل حفرة في الأرض، ألقته فيها، نزل احد الجنود الى داخل الحفرة وبدأ يضرب الطفل المربوط المصدوم والمرتعب ، وكلما حاول رفع رأسه ازداد الضرب أكثر مصحوبا بشتائم قذرة وألفاظ وسخة.
الطفل عمر يعمل خبازا، يبيع أرغفة الخبز للناس، وجد نفسه داخل قبر يمارس بحقه التعذيب الوحشي، هو لم يرتكب إثما، وكلما انهال التراب على رأسه خلال حفلة الضرب كلما اعتقد انه سيدفن في هذه الحفرة، ازداد صراخه محاولا ان يستنشق الهواء، لا يريد ان يموت بهذه الطريقة، لم يفعل شيئا سوى انه القى حجرين على جنود الاحتلال، ترك أرغفة الخبز في الفرن وخرج ليشارك في الاحتجاجات ضد الاعتداءات على القدس ككل الأولاد. استغرق التحقيق معه عدة ساعات حول عدد الحجارة التي ألقاها على الجنود، وقد انتهى الرقم بحجرين فقط، الولد بعد ان أخرجوه من الحفرة كان التراب يملأ وجهه ورأسه ، لم يصدق انه عاد من يوم القيامة حيا، ولم يصدق ان ماتسمى (اسرائيل) تئد الصغار وتدفنهم أحياء. الخباز الذي قضى فترة اعتقاله في سجن عوفر لم ينس ذلك المشهد المرعب، وقد اكتشف ان أكثر من 150 طفلا أسيرا مروا بتجارب تنكيل وتعذيب رهيبة، كل طفل يحمل في داخله جهنما، أنهم أطفال عادوا من جحيم الاحتلال، خرجوا من حفر التعذيب الوحشي. احدهم تحدث عن تلك الزنزانة الصغيرة التي حشر فبها، زنزانة بلا شباك تشبه القبر، ضيقة قذرة، لا شمس ولا هواء ، بطانيات متعفنة ، رطوبة عالية، لم يحضروا له الطعام والماء، رفضوا الاستجابة له لقضاء حاجته مما اضطره ان يبول على نفسه.
الخباز الصغير رأى أطفالا مضروبين ومصابين بجروح وصلوا قسم الأشبال في عوفر ينزفون الدماء، الجنود دعسوا على رؤوسهم بالبساطير ، رفسوهم في بطونهم وظهورهم وهم مقيدين الى الخلف ومعصوبة أعينهم، الضرب بالبوكسات، بقبضات الأيدي، الشتائم النابية، أطفال يصرخون تحت أحذية الجنود، أطفال وحدهم في نار الكراهية الاسرائيلية الحامية. الخباز الصغير يحلم أن يكبر الرغيف ساخنا بين يديه ليطعم كل الفقراء ، ويحلم ان يعيش دون ان يرى حاخاميين ومستوطنين يؤدون طقوس الحرب والعنصرية أمام بوابات الحرم الابراهيمي والمسجد الأقصى. الخباز الصغير يحلم أن يجري في شوارع وحارات الخليل دون ان يعترضه حاجز او يلاحقه جنود، ان يبيع اكبر عدد ممكن من الأرغفة ،ان يخرج من سياج المدينة وطوقها ولا يسمع صوت الرصاص وحفلات الإعدام الميداني على الأرصفة. الخباز الصغير يريد أن يخرج من هذه الحفرة الاحتلالية ، ان يرى السماء صافية ، أن يرى الأرض خضراء خضراء لا تشوهها مستوطنة او تقلع خصوبتها جرافة عمياء، هو من زرع الأرض، وهو من يعرف رائحة الطحين والسنبلة. الخباز الصغير يريد أن يخرج من هذه الحفرة الاحتلالية، من الشبح في معسكر عتصيون والمسكوبية، من مطاردة دولة الاحتلال للصغار، تصطادهم قتلا واعتقالا ، تجرهم مهانين مذلولين الى العتمة والمحاكم العسكرية .
الخباز الصغير يحرك الخيال
يريد ان يخرج من الحفرة
ان ينسى لحظة الاعتقال
يخاف الغد لأن الاحتلال لم ينته
الخباز الصغير لا يريد ان يكبر
يبيع الخبز في الساحات
يحمل حجرين أو أكثر


