الأخيرة

حب “نائل” لـ”إيمان”.. هل سيعوضه عن “نور”؟

تقرير:  مريم الشوبكي

يحمل في قلبه حبًّا فوق العادة للأطفال، تمنى أن يعطي هذا الحب لطفل تنجبه له المرأة التي ملأ حبها قلبه منذ اللحظة الأولى لرؤيته صورتها عند أسرها سنة 1987.

بعد 34 سنة من أسره كُسر قيد حرية نائل البرغوثي “أقدم أسير سياسي في العالم”، حلم الأبوة عاد يحيا في قلبه، كيف لا وقد فاز أخيرًا بقلب أميرته إيمان التي تزوجها بعد أن زال شرطها “آه وبس”. إيمان أيضًا أحبت أن تنجب طفلًا يشبه نائل في كل صفاته وتقاسيم وجهه، يكمل سعادتها بالارتباط بشخص غير اعتيادي، منذ ثلاثة عقود ونصفٍ لم يسمع زوجها صرخة الحياة الأولى لطفل، لم يعِش تفاصيل مناغاته وضحكاته، لم يهلل مصفقًا لخطوات مشيته الأولى فيعطيه يده ليسنده حتى لا يقع.

زُفت إيمان نافع ابنة بلدة نعلين غرب رام الله إلى نائل عندما كان يبلغ 54 عامًا، ابن بلدة كوبر شمال غرب المدينة، بعد شهر من إطلاق سراحه في 2011، أول خطوة اتخذاها هي تجربة الحمل بطريقة طبيعية رغم عدم وجود مانع طبي ولكن لم يشأ القدر. حاورت صحيفة “فلسطين” إيمان هاتفيًّا للتحدث عن حلم الأمومة والأبوة الذي عاشه الثنائي طيلة 32 شهرًا في عش الزوجية: “بعدما فشلت محاولاتنا في الإنجاب دون تدخل طبي، اتخذنا معًا قرارًا بإجراء عمليات حقن، فشلت العملية الأولى فجربنا مرة ثانية وثالثة ولم يكتب لهما النجاح أيضًا، وأسره مرة ثانية أحبط أي محاولات لهما في الإنجاب مرة أخرى”. كانت إيمان تستغرب من ردة فعل نائل الذي كان يحب أن يحمل طفلًا من صلبه بين ذراعيه، لم يكن يظهر أي تعابير حزن أمامها، فلم يكُن الإنجاب هدفه الوحيد في هذه الحياة.

تضيف: “كان نائل يعدُّ كل الأطفال الأسرى الذين يلتقيهم في البوسطة في أثناء تنقله بين السجون هم أطفاله، يغدق عليهم مشاعر الأبوة المدفونة في داخله، وبعد خروجه من السجن كان كل أطفال القرية وأقرباؤه هم أطفاله”. كان لنائل مواقف جميلة وطريفة في الوقت ذاته بعد الإفراج عنه، كان يخرج الطفل الذي في داخله حينما يكون بين الأطفال. تذكر إيمان بعض هذه المواقف: “كان أطفال القرية حينما يلعبون “القلول” -الكرات الزجاجيَّة الملونة- ينادون على نائل لكي يشاركهم اللعب، ولم يكن يرد لهم طلبًا إطلاقًا”.

 وتسرد موقفًا آخر: “نائل شخص رياضي رغم عمره لكن كان قلبه شبابًا، يواظب على ممارسة الرياضة يوميًّا في السجن، ويعشق كرة السلة، وكان يلعب كرة القدم مع أطفال القرية أيضًا، لا تزال ضحكاته التي تعبر عن مدى السعادة التي تملأ قلبه وهو يلعب برفقتهم ترن في أذني حتى اليوم”. أحبت إيمان أن تشاهد نائل وهو يلاعب طفلًا ويعيش معه مرحلة الأب التي حرمه إياها الاحتلال طيلة العقود الثلاثة. داست قلبها وتركت القرار لعقلها الذي رجح فكرة تزويجه من امرأة أخرى تنجب له طفلًا، نعتها من حولها بأنها “ليست بعقلها”، فكيف هان لقبلها تقبل هذا القرار؟ تجيب إيمان: “كان لدي بعد نظر، فقد خشيت من فكرة الرحيل وترك نائل وحيدًا، أردت أن أزوجه امرأة تؤنسه في وحدته وتراعيه”.

المفاجأة التي عاقت مشروع الزواج رفض نائل التام في بداية الأمر، وتحت إلحاحها وإجبارها له رضخ لها حتى يتخلص من “زنها” ولكن قلبه وعقله ما يزالان يرفضان. بحثت أخته حنان عن عروس لأخيها بالاتفاق مع إيمان، وجاء اليوم الذي سيشاهد فيه نائل العروس المرتقبة، تقول إيمان: “رافقت يومها نائل لإجراء مقابلة صحفية وأوصلته بسيارتي لأنه لم يكن يجيد السياقة بعد، وبعدها حانت اللحظة التي لم يستوعبها قلبي حينما نزل نائل من السيارة إلى سيارة أهله للذهاب إلى العروس”.

في هذه اللحظة تملكتها مشاعر مختلطة لا تستطيع الكلمات وصفها، ما إن أدار نائل ظهره للنزول من سيارة إيمان، حتى سقطت من عينيها دمعات دارتها منه، قلبها يعتصر ألمًا لأن هناك امرأة أخرى ستشاركه في حبه وهي التي أرادت أن “تكلبش” قلبه بعشقه لها فقط. وما عرفته إيمان من أخته بعد أسره حينما تذكرتا معًا هذا الموقف، أن نائل حينما دخل لرؤية العروس كانت عيناه منتفختين في إثر بكائه، الفتاة هي من تسأله وهو فقط يجيب. خرج نائل من بيت العروس دون أن يستوعب أنه يمكن أن يشارك قلبه مع امرأة أخرى، فقرر أنه ليس سوى لإيمان، حينها برد قلب زوجته الذي كان لا يستوعب ما جنته هي بعقلها وكتمت صوت قلبها.

.. كأنه ابنه

 تعود إيمان بالذكريات الأجمل على قلبها إلى ما بعد أيام قليلة من أسرها سنة 1987 حينما شاهدها نائل في أثناء إجراء مقابلة تلفزيونية معها، قلبه هتف لها، وفي 1997 أفرج عنها وأرسل والدته لطلب يدها ولكنها رفضت لأنها تجهل أي معلومات وتفاصيل عن حياته. النصيب أدى دوره الحاسم مع نائل المعلق قلبه بإيمان، تروي الحكاية: “مضت السنوات وتزوجت من رجل آخر وأنجبت منه طفلًا ومن ثم قررت الانفصال عنه في 2004″، هنا عاد الحلم يدق جدران قلب نائل فأرسل والدته لطلب يدها مباشرة.

وهنا بدأت إيمان تتساءل عن شخص نائل الذي ما يزال متمسكًا بها طيلة هذه السنوات، بدأت تسأل عن صفاته وعلاقته بزملائه حتى نطقت وأخيرًا بالموافقة، ولكنها ألحقتها بـ”بس”، حيث كان شرطها ألا تكتب كتابها إلا بعد خروجه من الأسر. عاش ابن إيمان معها في البيت مع نائل، تصف علاقتهما بالمتينة، حيث تعامل معه كأنه ابنه، وكذلك هو تعلق به تعلقًا شديدًا. لقب نائل بـ”أبو النور”، فهل فكرت إيمان إذا ما كان نور هو اسمًا لبنت أو صبي؟ تجيب: “هل تصدقني، لم أسأله يومًا هذا السؤال، ولكن سأسأله إياه في زيارتي المقبلة له داخل السجن”.

لكنية “أبو النور” قصة قلب كان شعلة نضال لا يهاب المواجهات المباشرة مع جنود الاحتلال، ذهل أصدقاؤه من جسارته وقوة قلبه حينما ضرب جنديًّا وانتزع عصاه منه، ولاحقًا أطلق عليه “أبو النور”. تهريب نطف من السجن تجربة عاشها أسرى نجحوا في تحقيق حلم الأبوة وهم خلف القضبان، ولكن هل فكر بها نائل يومًا؟ تقول زوجته: “لم أقترح عليه الأمر مسبقًا، ولكنه كان يرفض فعل هذا الأمر لما فيه من وجع جسدي ونفسي له، فهو يفضل أن يشاركني فرحة الحمل والمخاض والولادة”. ربما حلم احتضان نائل لـ”نور” بين ذراعيه بدأ يتلاشى مع تقدم إيمان في العمر وإعادة الاحتلال حُكمه السابق وهو المؤبد و18 سنة، ولكن ربما عشقه لإيمان عوضه عن هذا الحلم، فقصة هيامه بها على مدار 33 عامًا تدرس لكل الأجيال.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى