مقالات

قمةٌ غابت عنها الأمة وقضاياها

إبراهيم فلامرزي

لم ينتظر المواطنون العرب من القمة شيئاً، لأنها حملت بذور فشلها قبل انعقادها. فلا يمكن لعاقلٍ أن ينتظر حلولاً تقدمها لمشكلات ومآسي أمتنا العربية التي لبعض قياداتها دورٌ رئيسٌ فيها، وتسهم بحماسةٍ في تدمير دولٍ عربيةٍ أخرى، وتعلن عداءها لأبسط مطالب الشعوب في الديمقراطية والحرية والحياة الإنسانية الكريمة. مما يدفعنا لقراءتها من الجوانب التالية :

1) أمين عام الجامعة العربية : حان الوقت للمطالبة بأن يكون اختياره بالانتخاب، أو بتدوير منصبه على الدول العربية، بدلاً من أن يكون منصباً فخرياً يتم اختيار وزيرٍ سابقٍ فاشلٍ للخارجية المصرية ليتبوأه، فيكون موظفاً لدى مجموعةٍ من الأنظمة العربية التي تتحالف مع بلاده. فأحمد أبو الغيط، هو وزير خارجيةٍ سابقٍ كان شاهد زورٍ في إعلان وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليڤني الحرب على غزة من القاهرة سنة 2008م، ولا يكل ولا يمل من إعلان عدائه للشعوب وتضحياتها في دول الربيع العربي، وكان طرفاً في قيام الأنظمة المسيطرة على قرارات الجامعة في حصار قطر، والناطق باسم نفس الأنظمة خلال القمة عندما تناسى تماماً أن الكيان الصهيوني هو العدو الوجودي، وتحدث بغوغائية عن تركيا وإيران اللتين نختلف مع بعض سياساتهما، لكننا لا نقول أبداً إنهما دولتان عدوتان كالكيان الغاصب. إن هذا الرجل هو أمينٌ عامٌّ يمثل أبوظبي والرياض والقاهرة، ولا شأن له بالدول العربية الأخرى وشعوبها.

2) القضية الفلسطينية : قبل القمة مباشرةً، خرج علينا أنور قرقاش، وزير الدولة الظبياني للشؤون الخارجية بتغريدةٍ يطالب فيها بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ويتحدث بنبرة احتقارٍ للتضحيات التي قدمها العرب منذ إقامة الكيان، وبنبرة تجاهلٍ متعمدٍ لفلسطين وشعبها. وكذلك، خرج علينا المتصهينون في السعودية ليباركوا إعلان ترامب بالاعتراف بسيادة الكيان على الجولان، ومنهم تركي الحمد، عرَّاب العلمانية المبغضة للإسلام والعروبة، الذي صاغ تغريدةً بنمطٍ قرآنيٍّ، قال فيها: (ويسألونك عن القدس والجولان، قل هي إسرائيلية واقعاً منذ 1967م). فهل ننتظر من أبوظبي والرياض دعماً حقيقياً للقضية الفلسطينية؟، وهل ننسى قيام السيسي الذي عينتاه رئيساً لمصر بمساعدة الصهاينة في خنق غزة وكرام أمتنا فيها؟. فعن أي قضيةٍ فلسطينيةٍ تحدثت القمة؟ وهل يجرؤ أبو الغيط على انتقاد حالة الاندفاع الجنونية لأبو ظبي والرياض لاقتلاع فلسطين من وجداننا؟.

3) مأساة اليمن : كان الجزء الخاص باليمن في بيان القمة فضفاضاً، وكأن مأساته هي مجرد خلافٍ داخليٍّ، ولا يوجد استعمارٌ ظبيانيٌّ لجنوبه، وسعوديٌّ لمحافظة المهرة. ولا توجد عصاباتٌ من ميليشياتٍ مسلحةٍ أنشأتها أبوظبي، تقوم بالعمل على انفصال الجنوب، وتقتل العلماء والمفكرين، وتعذب المدنيين في سجونٍ يديرها إماراتيون. لقد كان اليمن في القمة كاليتيم على موائد اللئام الذين قتلوا أباه، وهدموا بيته ومدرسته، ومنعوه من أن يصرخ بمواجعه ومآسيه، لأن صراخه يزعج الذين استباحوه ومزقوه تحت شعار محاربة ميليشيات الحوثي التي دعموها منذ سنواتٍ ثم استخدموها سبباً لحربهم.

4) مأساة ليبيا : قبل القمة بأيام، كان مشهداً غريباً ظهر فيه العاهل السعودي مستقبلاً المجرم الميليشياوي خليفة حفتر الذي يحارب ويصارع ويرتكب الفظائع ضد أي حلٍّ سياسيٍّ يسمح لليبيا بالبدء بالانتقال إلى دولةٍ ديمقراطيةٍ آمنةٍ. ثم جاء بيان القمة متحدثاً عن الحل السياسي فيها، وكأننا نشاهد مسرحيةً كوميديةً يحاول الممثلون فيها أن يسخروا من عقولنا، ويرغموننا على الضحك على دماء وأشلاء أشقائنا الليبيين.

5) المأساة السورية : سوريا، اليوم، تعاني من احتلالٍ كرديٍّ انفصاليٍّ في شمالها وشرقها، يهدد وحدتها وأمن تركيا والمنطقة كلها. لكن أبو الغيط لم ير شيئاً من ذلك، وإنما نطق بلسان أبوظبي والرياض ضد تركيا محملاً إياها المسؤولية عن الأوضاع في سوريا، متناسياً جرائم النظام الأسدي. ولكي يقنعنا بما لا نصدقه من حرصه وحرص الأنظمة التي تستعمر الجامعة على وحدة سوريا، فإنه تحدث بلهجة تكاد تكون تصالحيةً مع الكيان الصهيوني، وكأنه يرجوه أن يفهم أن الجولان أرضٌ عربيةٌ سوريةٌ.

الشرق القطرية

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى