سياسة

ميدل إيست: الانتخابات الرئاسية في الجزائر أمام طريق مسدود

تعيش الجزائر ما يشبه حالة انسداد سياسي بسبب تمسك السلطات بتنظيم الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو ورفض الحراك والمعارضة أي اقتراع تحت إشراف رموز نظام بوتفليقة. وفي ذات الوقت يرى خبراء أن المخارج موجودة، وكلمة قيادة الجيش ستكون الفاصلة.

وجدد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الأسبوع الماضي الدعوة للفاعلين السياسيين في البلاد إلى حوار “ذكي وبناء”، للتوافق حول الشروط الكفيلة بضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية. وألحت المؤسسة العسكرية في مناسبات متتالية، على الإسراع في الخروج من الأزمة عبر انتخاب رئيس شرعي يتولى تحقيق كافة المطالب المشروعة للشعب الجزائري. بينما يرفض الشارع وأحزاب المعارضة الذهاب إلى هذه الانتخابات بإشراف رموز نظام بوتفليقة عليها وغياب “آليات ضمان نزاهتها”، مطالبين بفترة انتقالية تقودها شخصيات توافقية قبل انتخاب الرئيس المقبل.

 تقدم الإجراءات

واستدعى بن صالح، في 09 أبريل الهيئة الناخبة تحسبا للرئاسيات المقبلة، وفقا للإجراءات المنصوص عليها في دستور البلاد. وأنهت معظم بلديات الوطن، عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، بينما قاطعت حوالي 40 بلدية من أصل 1541 العملية، مؤكدة انخراطها في الحراك الشعبي. وأعلنت وزارة الداخلية الأربعاء عن استلام 68 طلبا لراغبين في الترشح للرئاسيات المقبلة استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية وتنتهي المهلة الدستورية، لإيداع ملفات الترشح على مستوى المجلس الدستوري، في 20 ماي.

وباستثناء اللواء المتقاعد علي غديري، ورئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي، ترفض باقي الأسماء السياسية المعروفة المشاركة في هذه الاستحقاقات. والخميس استقبل بن صالح، رئيس الوزراء نور الدين بدوي، أين شدد على “توفير ظروف إنجاح الاستحقاقات المصيرية”، حسب ما نقله التلفزيون الجزائري الرسمي.

 إصرار وتجاهل

وفي ظل تمسك مؤسسات الدولة، بالمسار الدستوري للانتخابات المقررة في الرابع من يوليو، تصر الطبقة السياسية المعارضة وجزء واسع من الحراك الشعبي، على تجاهل دعوة بن صالح، للحوار وإجراء هذه الاستحقاقات.

ويصر المحتجون، على مواصلة التظاهر في الشارع كل جمعة، تعبيرا عن رفضهم لتنظيم هذه الانتخابات في ظل بقاء صالح وبدوي، في السلطة. ويعتبر المتظاهرون، أن الرجلين، من بقايا نظام بوتفليقة، ولا “ثقة فيهم لتنظيم انتخابات نزيهة وديمقراطية”. وعبرت قوى جزائرية معارضة، منضوية تحت مسمى تحالف قوى التغيير من أجل نصرة خيار الشعب عن رفضها المطلق الحوار مع بن صالح وبدوي، باعتبار أنهما يفتقدان الشرعية الشعبية.

وفي السياق، يقول المحلل والناشط السياسي محند أرزقي فرّاد، أن “الانسداد الحاصل”، مرده “اصرار المؤسسة العسكرية على تنظيم الانتخابات في إطار المادة 102 من الدستور، التي تكرس بقاء هذا النظام”.

ويلفت فرّاد إلى أن “الجزائر تعيش ثورة، ومنطق الثورة يقتضي مرحلة انتقالية، تنهي بقايا النظام في الحكم، وتضع لجنة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات”. ويعتبر أن الذهاب إلى انتخابات بالآليات الحالية “انتحار”. ويشير فرّاد، إلى أن مبادرات عديدة طرحت “بما فيها حل في إطار دستوري، من خلال تعيين شخصية توافقية على رأس المجلس الدستوري، تعوض بن صالح، الذي يقدم استقالته في رئاسة الدولة”. ويضيف “للأسف المؤسسة العسكرية متمسكة بمسار الدستوري الحالي”.

ويرى النائب الأسبق عن حزب “جبهة القوى الاشتراكية” (يساري) أن “الحل يكمن في مواصلة الحراك الشعبي السلمي، كل جمعة، حتى تقتنع قيادة الأركان بضرورة تغيير رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ووضع آليات كفيلة بنزاهة الانتخابات”.

رفض المرحلة الانتقالية

وترفض المؤسسة العسكرية، الذهاب نحو مرحلة انتقالية خارج “الشرعية الدستورية”، وترى فيها مغامرة تفتح “باب الفوضى والخراب”، على البلاد. ووجهت افتتاحية عدد شهر ماي، من مجلة “الجيش”، لسان حال المؤسسة العسكرية، انتقادات لاذعة لدعاة المرحلة الانتقالية.

واتهمت أطرافا داخلية لم تسمها “بالضغط على الجيش من أجل الذهاب إلى مرحلة انتقالية على مقاسها، لتمرير مشاريعها، وأجندات عرابيهم، الذين يكنون الحقد والضغينة للجزائر وشعبها”. وفي السياق، يقول السيناتور عن حزب جبهة التحرير الوطني، عبد الوهاب بن زعيم أنه لا يرى الجدل الدائر حول الرئاسيات المقبلة “انسدادا”. ويوضح بن زعيم أن “مؤسسات الجمهورية الحالية تعمل بالدستور الذي جاء ببن صالح رئيسا للدولة لمدة 90 يوما”. ويتابع “نحن في مسار انتخابي دستوري، والحوار والتشاور الذي دعينا إليها يخص كيفية تشكيل هيئة مستقلة تضمن نزاهة الانتخابات”.

وبشأن عدم ترشح أسماء معروفة بثقلها النسبي في الساحة السياسية للاستحقاقات القادمة، يلفت بن زعيم، إلى أن “هناك 68 راغب في الترشح، والشارع يطالب بوجوه جديدة، وقال إنه لا يثق في الوجوه المألوفة، وقد تكون فرصة حقيقية للتغيير”.

التأجيل التقني

وأمام عدم إعلان شخصيات سياسية من الوزن الثقيل مشاركتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يظل احتمال التأجيل التقني واردا. إذ من الصعب على الراغبين في الترشح، ومعظمهم أشخاص غير معروفين لدى الرأي العام، جمع العدد القانوني من التوقيعات (60 ألف استمارة موقعة).

وفي السياق، يرى الخبير في القانون الدستوري خالد شبلي، أنه “من المنطقي تأجيل الانتخابات في حالة عدم وجود مرشحين يستوفون الشروط القانونية”.

ويقول شبلي، إن “هذه الحالة إذ حدثت ستكون جديدة، وستحتاج إلى فتوى دستورية”. ويرجع مقاطعة الشخصيات السياسية التي بإمكانها تكوين ملف سليم للترشح، يعود إلى رفضها لبن صالح وبدوي، من جهة وتخوفها من تأجيل مفاجئ كما حدد في الانتخابات الأخيرة التي ألغاها الرئيس المستقيل.

ويعتبر المتحدث، أن الانسداد ومهما بلغ لا يشكل خطرا، “فمع بلوغ مستوى معين من النضج السياسي وتصاعد التوافق، يمكن انتقاء خليفة لرئيس الدولة في إطار الدستور، وسيحكم لمدة 90 يوما أخرى”. واللافت في كل خطابات الجيش التي تحدثت عن “انتخابات في أقرب وقت ممكن”، أنها لم تأت على ذكر موعد الرابع يوليو المقبل، في تمليح إلى عدم الالتزام بهذا التاريخ الذي دعا إليه رئيس الدولة.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى