مقالات

المصلحة العامة

إيمان جوهر حيات

قد كلّت كلماتي وهي تنادي لأهمية التركيز على بناء مجتمع واعٍ ومتماسك، يحظى كل فرد به بحقوقه الإنسانية الكاملة والمكفولة بالدستور والمواثيق الدولية، ويُقَيَّم الإنسان بقدر كفاءته وإنجازه وعطائه للمجتمع والوطن.

ما نشهده اليوم من تصريحات وأخبار لا تدل إلا على خلل عميق يفوق ما يروّج عنه في وسائل الإعلام المختلفة.

أضعنا الكثير بسبب التهائنا بما نجنيه من صرف الدولارات النفطية مصدر دخلنا الأساسي، وعملنا بكل جهد وقوة للحصول على الهبات والعطايا الحكومية ممّا تبقى لنا من موجودات بطرق «الفهلوة» والنصب والواسطة والابتزاز السياسي، وحتى بالأمور الخيرية، ومشينا على منهج سياسي اجتماعي سقيم «التالي ما يلحق، والأقربون أولى بالمعروف»، واتخذنا من دستورنا كتاباً نزيّن به رفوف مكاتبنا فقط؛ لنتذكر أرقام المواد والقسم، ولم نرَ تشريعات إصلاحية تحدّ من المشاكل التي تتورّم وتقلق المجتمع..

فشلنا في تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، والنتيجة فشل أغلبية الإدارات التنفيذية والتشريعية المتعاقبة علينا، ولم نقم بدورنا كمجتمع لتصحيح ذلك الخلل بسبب تشتُّتنا بين مجاميع منقسمة على ذاتها، ولا تؤمن بأحقية الآخر المختلف.

اختلاف وجهات النظر حول بعض السياسات أو التطلّعات أمر طبيعي وموجود في كل مجتمعات العالم، ولكن هناك مجتمعات تحترم الآراء الفردية، وفي الوقت نفسه تغرس نُظمها الخصال الإنسانية التي تستوعب مفهوم المصلحة العامة، وتشجّع على ثقافة الحوار، وتعزز الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين وتشركهم بعدالة في اتخاذ القرارات.. دول تبني الإنسان قبل أن تصوغ القوانين التي غايتها تنظيم حياة الناس وخدمتهم.

تنقصنا ثقافة تجمعنا، ثقافة تذيب الحواجز التي وضعها تراث لم تعد أفكاره اليوم متوافقة مع متطلبات الحياة التي نعاصرها، ولا بد من إعادة النظر فيها. فهل معقول مثلاً أن ندّعي الديموقراطية وما نراه جميعاً أن أسس اختيار المرشح للبرلمان وطريقة اختيار الوزراء في الأغلب تعتمد على تحقيق رغبات مبنية على أسس عائلية أو طائفية أو قبلية لكسب الولاء؟!

ولم نر من خلف ذلك إلا المزيد من التراجع والتخلّف، وصراعات مبطّنة بابتسامة صفراء، تورث عبر الأجيال، لتزيد من انقسام المجتمع، وتزعزع الثقة بالإدارة.

نحن بحاجة إلى نهضة فكرية، نضع بها الأمور في نصابها الصحيح، فجميعنا في مركب واحد، حكومة وشعباً، إما نتكاتف ونبقى وإما نتخاصم ونغرق!

هذا البقاء له شروط، حددها دستور شُرّع في زمان مختلف، وما زلنا نخشى تطويره، خوفاً من الانقضاض على ما تبقّى لنا من حقوق وحريات مكبّلة في صفحات الدستور بسبب صراعات أنانية على النفوذ والسلطة والمال، لا تكترث للمصلحة العامة، ولا تأبه لمعاناة المواطن الذي سئم التصعيدات المفتعلة وتدنّي مستوى الحوار تحت قبة عبدالله السالم، بحجة الدفاع عن مكتسبات المجتمع الذي أصبح اليوم مهدَّداً به المواطن في معيشته، وقَلِقاً على حاضر أبنائه وأجياله ومستقبلهم.

الوقت يداهمنا، وانتهى وقت الشعارات والمهاترات الفارغة، التي لم نر من ورائها إلا المزيد من الإخفاقات.

القبس الكويتية

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى