الناقد المسرحي مخلوف بوكروح لـ “الحياة العربية”..المسرح الجزائري يفتقد لرؤية واضحة المعالم في تسيير هياكله
يرى الناقد المسرحي مخلوف بوكروح الى ضرورة تأسيس فعل مسرحي ثقافي متواصل وممتد على مدار السنة، وذلك الخروج بالمسرح الجزائري من العمل الظرفي والمناسباتي، منتقدا تهافت المشتغلين في الحقل المسرحي على المهرجانات وجوائزها بدل الاشتغال على تأنٍ وروية طيلة العام.
وقال بوكروح في حديث جمعه بالحياة العربية إن غياب النشاط الثقافي على مدار العام وغياب مشروع ثقافي انعكس على كل المجالات ومنها المسرح الذي لم يساير انشغالات المجتمع ملمحا إلى انفصال النخب عن الجمهور وجهلها بانشغالاتها وهي الوظيفة التي ينبغي للمسرح أن يقوم بها حسب المتحدث ذاته.
كما دعا محدثنا الى تكثيف النشاط في المجال المسرحي وجعل المهرجانات والنشاطات خلاصة لهذا العمل وليست غاية في حد ذاتها مضيفا أن الحركة الثقافية لا تسير في خط مستقيم بل تتراجع وتزدهر حسب ازدهار المجتمع ونخبه رابطا الاخفاقات بغياب جو الإبداع الذي يتطلب مزيدا من الحرية في التعبير.
وبخصوص المهرجانات المسرحية التي تنظم بالجزائر وعن دورها في تطوير الحركة المسرحية يقول محدثنا “الإجابة عن هذا السؤال يتطلب فحص دلالة الفعاليات الثقافية التي تنظم عندنا، و استهلها بالإشارة إلى أن كلمة مهرجان مشتقة من “مهر” بمعنى محبة و”جان” بمعنى الروح، وتستخدم الكلمة لوصف الاحتفال الكبير أو العيد، ونفس المعنى في اللغة الإنجليزية. وتتميز هذه الاحتفالات بأنها كانت تتم بشكل عفوي، أما المهرجان بصيغته العصرية فيتميز بالبرمجة والتخطيط ضمن سياسة ثقافية دقيقة، وهو موعد ثقافي ثابت يتجدد، ويبدو أن المهرجانات عندنا رغم أنها لا تتم بشكل عفوي إلا أنها تفتقر إلى التخطيط بل هي أشبه بـ”الزردات” التي يغلب عليها الطابع الارتجالي ولا نكاد نلمس من خلالها إضافة جديدة بل هي لقاءات عابرة تتم في لحظات وأوقات محددة يغيب فيها التفكير والتنظيم والتدبير”.
وبخصوص ضعف النصوص التي نشهدها على ركح المسرح يقول الدكتور مخلوف بوكروح “إن الضعف لا يخص النصوص المسرحية بل يطال مختلف الجوانب الإبداعية للعمل المسرحي ومنها الإخراج، السينوغرافيا، الأداء والإدارة الجيدة .. الضعف الملحوظ في النصوص مصدره عدم إدراك خصوصية الكتابة المسرحية المركبة التي تتطلب حسا إبداعيا متميزا وثقافة مسرحية ووعيا بالمجتمع و بمفردات الحياة، يمكن تسجيل جهود بعض المبدعين في مجال الكتابة من الشباب الذين يحتاجون فعلا إلى التشجيع بتقديم أعمالهم، وأتساءل لماذا لا يلتفت الممارسون لهذه النصوص ويحاولون إعادة صياغتها دراميا وعرضها”، مستطردا بذات السياق “الكتابة المسرحية جهد بالغ الصعوبة، ويمكن إدراك هذه المسألة بالتمعن في تاريخ الكتابة الدرامية منذ نشأتها عند الإغريق، وهي مرتبطة بالتطور الثقافي والحضاري للمجتمعات التي عرفت المسرح، فالنصوص المسرحية الخالدة هي في الحقيقة اقتباس أو صياغة درامية جديدة للملاحم والأساطير وهذا ما حصل في كل حقبة تاريخية، ويأخذ الاقتباس عادة شكلين: القيام بتحويل عمل فني بطريقة مغايرة لشكله الأصلي مثلما يحدث عند اقتباس الأعمال الروائية، أو إدخال تعديلات على العمل الأصلي بحيث يتناسب مع ذوق الجمهور الذي يقدم له، وفي الحالتين فإن المسألة مرهونة بقدرة المقتبس على إدراك طبيعة الدراما وفهمه للمجتمع ولنفسية الجمهور الذي يرغب في التواصل معه، إضافة إلى أن المتمعن في ما يقدم عندنا هو في الحقيقة تشويه للأعمال الأصلية بل هو نقل باهت لمضامينها، ويمكن ملاحظة ذلك على مستوى إعداد النص والإخراج، وبذلك فإن المسألة لا تعني العجز عن الإبداع بقدر ما تتعلق بالثقافة والتكوين والممارسة”.
وفي الأخير علق الناقد المسرحي مخلوف بوكروح عن الوضع العام للمسرح بالجزائر ولخصه في كلمات مقتضبة وقال “انعدام رؤية واضحةٍ في المسرح الجزائري، يؤشّر عليها بغياب بيانات وإحصائيات دقيقة توثّق للإنتاج المسرحي وتُقدّم أرقاماً عن إقبال الجمهور عليه” مضيفاً “أن عقد مقارنةٍ سوسيولوجية بين جمهور الستينيات والسبعينيات وجمهور اليوم توضّح اختلافاً كبيراً في توجّهاته، وتطوّراً لدى الثاني لم يسايره المشتغلون في الفن الرابع”.
مستدلا في حديثه بدراسة ميدانية أنجزها عن جمهور الفن الرابع في الجزائر، يشير فيها إلى تدنّي الإقبال على العروض المسرحية، ليخلص إلى أن المسرح الجزائري عرف تراجعاً من ناحية الكمّ والنوع، مرجعاً ظاهرة غياب الجمهور عن المسارح إلى قلّة الإنتاج وسوء التوزيع المسرحي، وغياب التخطيط، وسوء إعداد البرنامج، وضعف التنظيم، هذا الى جانب الإعلامي، مشيرا بجماهيرية كرة القدم التي تطغى على وسائل الإعلام، في الوقت الذي يعزف الناس عن حضور العروض، رغم مجّانيتها.
نسرين أحمد زواوي